قراءة في ديوان الشّاعر محمد عباس

الشّاعرمحمد عباس من مواليد 1967 ببوعلام البيّض .موظف بدائرة بوعلام ..كانت أولى كتاباته للشّعر الشّعبي مع بداية التسعينات ، متأثّرا بفحول الشعراء :محمد بلخير، بن كريو ، الشيخ السماتي ، جلجلي جلول ، الخثير بن السايح وعمر الزيعر..

" سلوة الأنفاس في شعر محمد عباس" أول ديوان يجمع فيه الشاعر بعضا مما كتب ، يضم سبعا وثلاثين قصيدة وقع عليها اختياره لنشرها من ضمن ما يناهز الستين قصيدة مما أنتج . 

يقع الديوان في مائة واثنتين وثلاثين صفحة ،من الحجم المتوسط ..صدرت طبعته الأولى هذه عن مطبعة رويغي – الأغواط .

تتناول قصائد الديوان جملة من الإجتماعيات ، يتفرع التطرّق إليها بمختلف الأغراض الشعريّة كالمدح والفخر والرثاء والنّقد الساخر الهادف .

للوطن نصيبه الأوفر في أشعار محمد عباس ، حيث التأثر بكل ما تعيشه البلاد من أفراح وأقراح وفخر بالماضي كتمجيد ثورة التحرير وأبطالها وفي هذا يقول الشاعر في قصيدة وصية الشهيد :

دمعك غالي يا ما ما ليهش كم ... وارضي يرضى الخالق الحي المجيد

قولي لبا خاوتي خالي و العم ... لا تبكوش اليوم جاري بن بولعيد 

أرض بلادي غالية ما تتساوم ... ما يوطاش اعلامها غالي وفريــــــد

نهج أسلافي يا ما ماني نـــا دم ... واليوم أنا وفيت عهدي للنشيــــــد 

وممّا يقول في قصيدة نوفمر :

ما تكفيني بحور حبر على الثــــورة ... وينشف حبر اللي أوصف أرض الأحرار

أرض أجدادي وعز ڨلبي ياحضرة ... الجزاير غالية مهد الثــــــــــوار

إلى أن يقول .

عبد القادر ثورته لينا عبــــرة ... زيد انسومر بوعمامة ما نختار

الله أكبر عاشت بلادي حرة ... في لجبال وفسهول وفالبحار

وبعد ذكر رموز المقاومة وبعض من أبطال الثورة ، يعبر عن فرحة الاستقلال والنصر ، ثم يتوجّه إلى الشعب وخاصة الشباب لخوض معركة البناء الذي لا يتأتى إلا بالعمل والجد والإخلاص ..

يا شعب الأبطال جا وقت البكرة ... نوض وشمر ساعدك خوذ القرار

سطرنا نظام فالميدان اسرى ... بالشعب وللشعب ميثاق وخيار

واصبحنا دولة وعز وفخرة ... نتباهى ببلادنا قلعة لحرار 

ليصل الشاعر محمد عباس إلى المأساة ..هول العشرة السوداء فيصفها بالطاعون إلى أن جاءت مرحلة الوئام المدني والمصالحة الوطنيّة وفي ذلك يقول: 

وابلانا طاعون لسنين العشرة ... كسر،خرب كلشي ،قتل ودمار

نزل ربي رحمته جات مسرة ... خيّرنا رئيسنا فارس مغوار

جانا نجدة جبر اللي مكسور ... جال وصال وطمن الشعب المحتار

نادى بالوئام وفّى بالهدرة ... واصدق وعده عارفينه أب وبار

من أجمل قصائد هذا الديوان قصيدة " الحرمة " التي يصف فيها الشاعر محمد عباس ما آلت إليه الأخلاق والمعاملات .وما يميّز القصيدة أيضا كثافة الصّور واستعمالها لألفاظ قديمة ورغم صعوبة فهمها إلا أنها أضفت على النّص رونقا وعمقا ، يُحبذه عشاق هذا الشعروالدراسون له ، بعكس القصيدة السابقة التي كان أسلوبها وبناؤها مباشرين وبكلمات بسيطة مفهومة ومتداولة .وقصدي من ذلك ليس وقوعا في مفهوم الصّعوبة التي يحسَبُ من ورائها بعض الشعراء أنهم كلما تعمّدوا الغموض أحسّ القارئ قدرتهم ،وهذا مفهوم خاطئ ...بل أرى أن الموضوع هو من يتحكم في صياغة شعر محمد عباس وأن مقدار تأثير الموقف أو الحدث – دون شك – له دوره الأبرز في تسلسل الأفكار وتوارد الألفاظ بكل سلاسة لخدمة القصيدة .

الحُرمة بمفهومها الموسع هي الشرف ،النّخوة ،الإباء ، حسن الخلق ،الأعراف وكلّ حق وجب الوقوف عنده ..وفي اللغة الفصحى هو كل ما لا يجب انتهاكه وما لا يحلّ تجاوزه .. فالمعنى واحد، ولغة الشّعر الشّعبي هي لغة عربيّة فصيحة في اصلها .فقط ما طاله المتعارف عليه من حتّ ونحت أو ما هُجر من ألفاظ وغيره ،وهو موضوع آخر يطول الحديث فيه . ويستهل الشاعر قصيدة الحرمة بما يلي :

ظنّيت الحرمة أماليها راحوا ... واكثر فالدنيا الخايب والكذاب 

وارذل حال النّاس والبز جياحو ... واتشتَتْ ميعادها والحال اضباب

واتروّن لخويض والصّافي ساحو ... ولّا قيدنا اللي اتسقم ولّا عاب

حاشا مول الصِّيل والدين ارتاحو ... والوافي وافي مْصيّل في لنساب

راه مكبّل ذا العقل وين سراحو ... غير يدودر ما عرف ويراه الباب

والعيب اللي كان عيب براحو ... ولحيا خامد دار جلابة ونقاب

والحق بحفلة اتكرّم ذبّاحو ... والباطل سرباو له كيسان شراب

وعلى هذا المنوال المشبع بالموازنة بين الفضيلة والرذيلة وبين الحق والباطل، تتواصل أبيات القصيدة بتوصيف دقيق للحقيقة والواقع الذي يراه ويُحسّه كلّ أفراد المجتمع .

ما بين البينين لقلوب اقساحو ... وكي طاب المشماش ماج عليه اسحاب 

واضمى غرس اجنان واذبل تفاحو ... والورد اللي كان فاتح سار تراب

فالحُرمة استبيحت وتجاوز النّاس حدود المعقول في المعاملات ، ولم يعد للخيرين والشرفاء والكفاءات مكان ، بين كثرة الفاسدين ، حين ارتفع مقام الوضيع وعلا شأنه .

راه اتقدّم من اتلف بان اصباحو ... والدّيك اللي كان زاحف عاد اعقاب

والعَود اللي كان هايب جراحو ... تدبر ظهره فالي فيه اغراب 

واتحلّل لحرام والشّاري باحو ... واتحرّم لحلال والبايع نصّاب 

موت الفجعة زاد واقوات ارياحو ... ولد ابنادم عاد جيفة في لشعاب

- من صفحة الجيلالي بن عيده