هو محمد بلخير من قبيلة الرزيقات فرع أولاد داود، ولد حسب التقديرات ما بين 1830-1832 م بوادي المالح ، ضواحي عين تموشنت أي أنه ولد مع بداية الإحتلال الفرنسي للجزائر ، ويستدل على ذلك من قوله :
الروم أنفاضها تزعل وأنا في صربة الزيادة وقبيلة الرزيقات التي نشأ بها الشاعر هي إحدى مجموعة قبائل " أغواط كسال" توجد إلى الشرق من مدينة البيض تعيش حياة البداوة التي تتميزبالترحال، والإيواء في الخيام ، وممارسة حرفة الرعي ، والفروسية ونظم الشعر فالشاعر محمد بلخير الذي عاش طفولته وبعض مراهقته في الشمال إلا أنه شب على نمط حياة قبيلته وتأثرت شخصيته بوسطها الذي يتصف أهله بخصال وشمائل كثيرة كالكرم والوفاء بالعهد وحب الحرية ، والصبر على الشدائد والذود عن الأرض والعرض ، ومقارعة الظلم مهما كان مصدره ، فأكسبته هذه البيئة كثيرا من التجارب والخبرات ، التي يتمتـع بها أهل منطقتـه مما نما من مداركه ، وصقل موهبته فتفتحت قريحته الشعرية منذ أن تحركت فيه الأحاسيس والمشاعر الوجدانية وتدفقت عواطفه سيلا من الكلام الموزون المعبر.
وكان لتنقلاته الكثيرة خلال هذه الفترة في مناطق الهضاب العليا وبين الصحراء والتل ( الشمال ) ، ومجالسته الفقهاء والعلماء ، وأهل الرأي والحكمة الأثر البارز في إكتسابه لكثير من المعلومات والمعارف في الشريعة والتصوف والتاريخ رغم أميته وجهله بالقراءة والكتابة وهو يعترف بذلك في قوله :
ما أقريت مع الطلبة بن عشير == أولا كتاب بن خلدون جافي يدي
في نفس الوقت يبين أنه متعلم بما منحه الله من ذكاء وفطنة وموهبة وبما ألهمه من معارف حيث يقول
أقريت بلا كتوب من عند الرحمان ما زينها يا الناس طاعة
لما بلغ سن النضج و الإتزان العقلي تناول شعره أغراضا أخرى كالمديح الذي نظم فيه قصائد كثيرة تضمنت التوحيد ، مدح الرسول صلى الله عليه وسلم و مدح شيخه سيدي الشيخ صاحب الطريقة الشيخية المتفرعة عن الطريقة الشاذلية فقد كان من أتباع هذه الطريقة ، وكان إرتباطه بهذا الولي الصالح قويا كما يظهر ذلك في الكثير من أشعاره .
و بعد قيام ثورة أولاد سيدي الشيخ و القبائل المنتفضة معها في 08 أفريل 1864 ضد الوجود الفرنسي بالجهة كان الشاعر محمد بلخير ضمن صفوف الثائرين ولعب دورا بارزا في هذه المقاومة ، فقد كان لسان حالها ، و قـام بدور و مهمة وسيلة الإعلام لها ، وذلك من خلال فخره ببطولات الثوار و الإشادة بإنتصاراتهم علـى الفرنسييـن و الرد على الخونة و القاعدين و التشنيـع بهــم ،و إلهاب حماس الأهالي لدفعهم إلى الإلتحاق بالجهـاد لمقارعـة المستعمر ، وظل يخوض مع رفاقه الثوار المعركة تلو الأخرى حتى توقيع عقد صلح بريزينة في 20 ماي 1883 بين زعماء الثوار و السلطات الفرنسية .
لإنهاء القتـال بين الطرفيـن ، وقـد رفض محمـد بلخيـر هذا الصلـح جملـــة وتفصيلا ، و إنفصل عن مخيم سي قدور بن حمزة الزعيم الرابع لثورة أولاد سيدي الشيخ ، رغم محاولات إقناعه و ترضيته بشتى الوسائل ، فسافر إلى المنيعة سعيا لحشد الأنصار و جمع المال و السلاح لتجديد الثورة ، ومواصلة الجهاد و لكنه فشل في ذلك .
و لما عاد إلى المنطقة ظل مختفيا عن الفرنسيين و أعوانهم حتى تم القبض عليه حوالي سنة 1886 و نفي إلى كالفي بجزيرة كورسيكا بقرار حكومي في 18 جانفي 1887 بتهمة "العصيان" و التحريض على الثورة ضد الوجود الفرنسي في المنطقة .
وقد نظم في سجنه قصائد عديـــدة ، كان يذوب فيها شوقـــا وحنينــا إلـى الأهــل و الوطن و شيخه سيدي الشيخ و مسترجعا ذكرياته مع رفاقه الثوار و المعارك التي خاضوها ضد الفرنسيين و الإنتصارات التي أحرزوها عليهم في الكثير من مواقع النزال .
مكث محمد بلخير في سجنه سبع سنوات و سبعة أشهر ، و أطلق سراحه حوالي سنة 1895 ، و لم يقل أية قصيدة بعد عودته إلى المنطقة و توفي بعد ذلك ببضـع سنـوات حوالـي 1898 بعد حيـاة مليئـة بالجهــاد فــي سبيــل الله و الوطن .
دفن بعد وفاته في " تيغست " ضواحي بوعلام ، و بعد الإستقلال نقلت رفاته إلى مقبرة الشهداء ببوعلام ليعاد دفنه فيها و تخليدا له كشخصية ثقافية وجهادية نظمت لــــه ولايـــة البيض عدة مهرجانــات و اسابيـع ثقافيــة ، و كان إنتاجـه شعــري و تاريخه النضالي محل إهتمـام الباحثين و الدارسين الذين تناولــوا حياته كشاعــر كبيـر و مجاهد بطل قاوم الإستعمار بسيفه و لسانه فكان رمزا للتضحية و الإباء