بطل من صلب أولاد سيدي الشيخ ، المرحوم/ السي لـعـلى بن بوبكر
بقلم : الشيخ قدور بن علية
على غرار قبائل جزائرنا الحبيبة، لم يبق أولاد سيدي الشيخ ـ كما هو معلوم ـ مكتوفي الأيدي إزاء مخططات و مؤامرات الاستدمار الفرنسي ، وهو ما كان من بطلنا ، المرحوم/ السي لعلى بن بوبكر بن النعيمي الذي استوقفتني حكايته ، والذكريات ـ كما قيل ـ صدى السنين الحاكي :
المولد والنشـــأة :
وُلد المجاهد السي لعلى بن بوبكر ــ حسب أرجح الروايات ــ سنة:1820 ميلادية ، وهو من صُلب عائلة منحدرة من نجل الصحابي الجليل عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضــي الله عنهما ، ترعرع منذ صباه في كنف عائــلة متدينة ، عريقة و محافظة ، أنجبت الـــعديد من الفقهاء و الصالــحين ، و هو ما جعله صعب المِـراس ، عندما يتعلق الأمر بــــــــمُجرّد محاولة المَسّ بالشرف والعِــرض والأرض و الوطن .
دراستـُه :
بطبيعة الحال ، وعلى غرار أقرانه ، لم يشذ عن القاعدة في تعلم ما له صلة بالشريعةِ الإسلاميةِ ، عقيدتِه وعقيدةِ أسلافِه ، تعلم ما تيسّر له من قرآن وفِقه ، وهو ما ساعده على التميّز بشخصيته القوية وعدم إستعداده لأية مُهادنة أو إهمال ، خاصة بعدما أثبت تمرّنا لافِتا للانتباه في ميدان الفروسية ، هي الأخرى وجب عليه التتلمذ على يد رجالها المُطبقين لأمر الرسول الأكرم: " علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل " .
جهـادُه :
عندما ظهرت علامات النضج على شخصه ، واستهوت نفسُه طلب الشهادة في سبيل الله ، رأى ألاّ مَناص من دخول معترك الجهاد فكان أن ازدادت شخصيته صلابة و جرأة غير معهودة ، شهد بها العدو قبل الصديق .
يعتبر " السي لعلى " لدى كل من تفحص تفاصيل تاريخه بأمانة و تجـرّد ، عقلا مفكرا وساعدا قويا كان له عظيمُ الأثر على ازدياد لهيب وتأجج ثورة أولاد سيدي الشيخ منذ بدايتها ، فعلى سبيل التذكير ، وعلى إثر معركة غار سيدي الشيخ " فبراير 1865 " وبعد مقتل الزعيم الثاني للثورة : السي محمد بن حمزة يوم : 22 من نفس الشهر ، عاد السي لعلى إلى منطقة البيض من وادي ميزاب واجتمع بأفراد العائلة والزعيم الجديد للثورة ، السي أحمد بن حمزة لدراسة الأوضاع ، وبعدها خاض عدة معارك منها :
1 ) معركة " سواس " قرب شريعة الغاسول .
2 ) معركة " وادي الديغم " قرب الشلالة القبلية يوم : 08 أفريل .
3 ) معركة " عين تازينة " يوم : 09 أفريل .
ثم انسحب إلى الجهة الغربية إلى غاية موسم الصيف ، حيث عاد بمعيّة ابن أخيه : أحمد من منطقة الحدود الغربية إلى داخل الجزائر " شهر أكتوبر " ثم تقدما نحو التل الوهراني وهما يقودان جيشا كبيرا قوامه خمسين 50 ألف رجل ، ثم تقدم مع رجاله إلى منطقة " سبدو " و" معسكر " يوم : 19 أكتوبر ، وبالضبط بمنابع وادي " مقورة " قرب سيدي بلعباس ، وكان معه حوالي : 2000 رجلا مسلحا من الأنجاديين والحميانيين الغرابــــــــة والجعافرة ، ومن هناك انتقل إلى عين " تاقوراية " ثم إلى " عين ماضي " ومناطق الأرباع و الأغواط ، ليؤكد أن ثورته ليست محلية بل ثورة شاملة ، لقد عمل على مؤازرة كل من رأى فيهم الرغبة الصادقة في التمرد على العدو ومناهضته ومن ضمنهم / بن ناصر بن شهرة ، كما نسق مع ثوار القسنطيني بمنطقة " بسكرة " و مع " بوشوشة " الذي ثارت معه قبائل الصحراء الشرقية .
لقد شارك مع أبناء أخيه في معظم المعارك التي خاضوها ضد المحتل الفرنسي ، بل استطاع أن يجند آلاف الرجال من القبائل الصحراوية ، خاصة " الشعانبة " وحنكتـُه الحياتية والعسكرية مكّـنته من إقناعهم بضرورة الجهاد ، لأنه أصبح فرضَ عَـيْن ، وبحُكم كياسته وفطنته والبسالة في المواقف ، استطاع أن يجعل المحتل الفرنسي يحسب له ألف حساب ، إلى درجة أن جندت له فرنسا فرقة كاملة بقيادة الجنرال " جوزيف " مهمتها الوحيدة ملاحقـتـُه أينما حل وارتحل ، لكنها لم تنجح في مخططها ، حيث أجبرها على تلقي الهزائم تلو الأخرى ، وكان في كل مرة يفلت من كمائن العدو ببراعة المجاهد الذكــــــي و يقظة البطل الصنديد .
ومن معاركه أيضا ، المعركة التي قادها ضد الكولونيل " سونيس " ، الذي كان معتدا بقواته ، حيث بادر " السي لعلى " بالهجوم على تلك القوات ، وقد كان على رأس جيش متكون من أربعة آلاف 4000 رجل ، و أذاقهم مرارة الهزيمة ، ولم يتوقف بعد أن أكسبته كثرة المواجهات الثقة في النفس والتوكل على الله ، فواصل جهاده ، حيث واجه في شهر سبتمبر 1871 قوات الكولونيل " قاند " ، ويذكر المؤرخون أنه في 28 من نفس الشهر خاض معركة " المنقور " ، التي حاول الاحتلال الفرنسي خلالها الغدر به ، لاعتقاله ، لكنهم لم ينجحوا في مكيدتهم تلك .
عُرف هذا المجاهد بمراعاته للسنة النبوية الشريفة الفعلية ، وهو يخوض معاركه ، حيث كان يحسن معاملة الأسرى اقتداء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولا أدل على ذلك من الأسرى الخمسة الذين وقعوا في يده ، بعد انجلاء المعركة التي وقعت في : 30/10/1864 ، نواحي منطقة " الخيثر " ، والأسرى هم على التوالي :
1 ) شوفيني
2 ) مارتي
3 ) سينو
4 ) دوشي
5 ) ديكليمان
... لقد أثنى أحد الضباط الفرنسيين على تصرفه مع الأسرى النابع من عقيدته .
إن ما قام به هذا البطل المغوار يعتبر دليلا على حنكته الحربية الاستراتيجية ، وبرهانا على روحه الوطنية ومعرفته بالخطط الحربية القتالية ، وهو ما يؤهله دوما للتنبّه لمكائد العدو وينتصر في كل معركة يخوضها ، ومن بين الخطط التي كان يعتمدها ، تلك التي تركز على ضرب المحتلين وتدمير مصالحهم ومحاربة قوة الاحتلال و زعزعة أركانه في الداخل ، فهذه الطريقة في الكفاح التحرري ، هي الثورة الحقيقية لديه .
لقد كانت فكرة تعميم الثورة تراوده ــ كما سبقت الإشارة ــ تعميمِها شرقا و غربا ولم يبق حبيس المناطق الصحراوية بسبب قلة السكان والمعروفة بندرة منابع المياه فيها وقلة الموارد الضرورية بها أيضا ، فعمل على فرض الأمر الواقع في الأوساط الشعبية عن طريق رؤساء القبائل ، فجعلها ثورة وطنية عامة ، يُموّلـُها الشعب بكل ما يملك من رجال وعتاد ومؤونة .
لقد قال أحد الضباط الفرنسيين عن المجاهد المرحوم / السي لعلى ، لما أدهشته خططه العسكرية وتفكيره الثاقب ، ما يلي :
" إن العرب لم يكونوا يُحسنون الدهاء و التعقيد و بُعد النظر ، فهم أناس اللحظة والمناسبة ، فهم غيرُ قادرين على توقعها و اندلاعها ، غير أننا نعترف لقائد هؤلاء المتمردين بقيمة عسكرية مُعيّـنة و بحَدَس حربيّ نادر ودهاء خارق في الاستفادة من أخطائنا ونُقرّ دون منازع بأنه يتوفر على صفات و أساليبَ قتالية جيدة عبر هذه العمليات التي أجراها ضد قواتنا "
لقد شهد العدو ، وهو لم يتجاوز سن الخامسة والأربعين 45 من العمر بالحزم والشجاعة النادرة والبصيرة النافذة والطموح المتزايد للنصر الدائم وعدم الاستعداد للتنازل ، ولم يغفل العدو عن ذكر مدرسته التي أمَـدّتهُ بكل هذه المؤهلات ، ألا وهي " الزاوية " فأكد ذلك الضابط القول " أنه مُعاد لنا بصفة مستمرة و أكيدة " .
لقد كان " السي لعلى " من الرواد الأوائل للجهاد والمقاومة ، ولم يكن له طموح في الزعامة ، كان همّه الوحيد تخليص الوطن من ربق الاستدمار .
وفاته
توفي – رحمه الله – سنة " 1896 " ، وهو دفين قبة سيدي الحاج الدين ، بعد أن سجل بأحرف من ذهب مسيرته الحافلة بالانتصارات و المواقف البطولية ، التي ظلت ذاكرة ُ التاريخ محتفظة بها ، فالتاريخُ وحده هو المُنصف لهؤلاء المخلصين ، الذين صدقوا ما عاهدوا الله ثم الوطن عليه .
رحم الله البطل السي لعــلى بن بوبكر ، و أسكنه فسيح الجنان
من أرشيف ،وبقلم أخيكم/ الشيخ قدور بن علية
الأبيض س / ش في : 08 / 09 / 2005
ملاحظة : حرّرتُ هذا الموضوع لاعتماده في حينه ، ليُلقى بمناسبة الافتتاح الرسمي للثانوية المُسماة باسمه بالأبيض سيدي الشيخ ، ولاية البيّض .
بعض المراجع المعتمدة /
* كتيب أولاد سيدي الشيخ ومقاومتهم ضد الاحتلال ، الصادر عن المتحف الوطني للمجاهد ، سنة : 1996 ..
* محاضرة رئيس جمعية أول نوفمبر وحماية مآثر الثورة بالأوراس ، الأستاذ ، المجاهد المرحوم / الحاج محمود الواعي ، الصادرة بمجلة " الجيش " ، عدد : شهر مارس 1997 .
* كتاب / صحراؤنا في مواجهة الاستعمار ، لمؤلفه المجاهد : أحمد عبد العزيز ، الصادر عن دار " رحاب " للنشر بالجزائر العاصمة .